فصل: باب القضاء فيمن ابتاع ثوبا وبه عيب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب القضاء فيمن اصاب شيئا من البهائم

قال مالك الامر عندنا فيمن اصاب شيئا من البهائم ان على الذي اصابها قدر ما نقص من ثمنها قال ابو عمر اختلف العلماء في حكم ما يصاب من البهائم وروي عن عمر بن الخطاب انه قضى في عين الدابة بربع ثمنها وانه كتب إلى شريح يأمره ان يقضي بذلك وهو قول شريح والشعبي وبه قال الحسن بن حي والكوفيون وقضى به عمر بن عبد العزيز وروى الحسن بن زياد عن زفر ان في جميع ذلك ما نقص من البهيمة وهو قول مالك والليث والشافعي الا ان الليث قد روي عنه ان الدابة ان فقئت عينها او كسرت رجلها او قطع ذنبها فعلى فاعل ذلك ضمان الدابة حتى يؤدي ثمنها او شراؤها وقال الطحاوي القياس عند اصحابنا ايجاب النقصان الا من تركوا القياس بما روي عن عمر بن الخطاب انه قضى في عين الدابة بربع قيمتها بمحضر من الصحابة من غير خلاف منهم ولان غيره لا يكون رايا وانما هو توقيف‏.‏

1434- ‏(‏‏)‏ - قال مالك في الجمل يصول على الرجل فيخافه على نفسه فيقتله او يعقره فانه ان كانت له بينة على انه اراده وصال عليه فلا غرم عليه وان لم تقم له بينة الا مقالته فهو ضامن للجمل قال ابو عمر قول الشافعي في هذا كقول مالك قال الشافعي اذا صال الجمل عليه واراده فلا ضمان عليه كما لو قصده رجل ليقتله فدفعه عن نفسه ولم يقدر على دفعه الا بضربه فضربه فقتله كان هدرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من قتل دون ماله او دون نفسه فهو شهيد‏)‏ واذا سقط عنه الاكثر كان الاقل اسقط وقال ابو حنيفة واصحابه في بعير صال على رجل فقتله فهو ضامن وهو قول عطاء وروى علي بن معبد عن ابي يوسف انه قال استقبح ان اضمنه وقال الثوري يضمن قال ابو عمر روى وكيع عن الثوري عن مغيره عن ابراهيم ان بعيرا افترس رجلا فقتله فجاء رجل فقتل البعير فأبطل شريح دية الرجل وضمن الرجل دية البعير وروى معمر عن الزهري قال يغرم قاتل البهيمة ولا يغرم اهلها ما قتلت روى بن مهدي عن زمعة بن صالح عن بن طاوس عن ابيه قال اقتلو الفحل اذا عدا عليكم ولا غرم عليكم وبن عيينة عن الاسود بن قيس ان غلاما من قومه ادخل بختيه لزيد بن صوحان في داره فتخبطته فقتلته فجاء ابوه بالسيف فعقرها فرفع ذلك إلى عمر فأهدر دم الغلام وضمن اباه ثمن البختية قال ابو بكر‏.‏

وحدثني معاذ بن معاذ عن اشعث عن الحسن في الرجل يلقى البهيمة فيخافها عن نفسه قال يقتلها وثمنها عليه واحتج الطحاوي للضمان بأن قال الضرورة إلى مال الغير لا تسقط الضمان قال والفرق بين الرجل والجمل ان القاتل يستحق القتل لقتله ولو قتل الجمل الرجل كان هدرا بحرمته بعد قتله كهي قبله‏.‏

باب القضاء فيما يعطى العمال

1435- قال مالك فيمن دفع إلى الغسال ثوبا يصبغه فصبغه فقال صاحب الثوب لم امرك بهذا الصبغ وقال الغسال بل انت امرتني بذلك فان الغسال مصدق في ذلك والخياط مثل ذلك والصائغ مثل ذلك ويحلفون على ذلك الا ان يأتوا بأمر لا يستعملون في مثله فلا يجوز قولهم في ذلك وليحلف صاحب الثوب فان ردها وابى ان يحلف حلف الصباغ قال ابو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة ومثلها فمنهم من قال كقول مالك ‏(‏القول قول العمال‏)‏ ومنهم من قال قول رب الثوب والاصل في هذا معرفة المدعي على المدعى عليه والقول ابدا عند جميعهم قول المدعى عليه ان لم تكن للمدعي بينة فمن جعل رب الثوب مدعيا فلانه قد اقر انه اذن للصباغ في صبغ الثوب ثم ادعى أنه لم يعمل له ما أمره به وكذلك الخياط قد اقر له رب الثوب انه اذن له في قطعه ثم ادعى بعد انه لم يقطعه القطع الذي امره به ليمضي عمله باطلا ومن جعل القول قول رب الثوب فحجته ان الصباغ احدث في ثوب غيره ما لم يوافقه عليه ربه ولا بينة له وصار مدعيا ورب الثوب منكر لدعواه انه اذن له في ذلك العمل فالقول قوله لاجماعهم انهما لو اتفقا على انه استاجره على عمل ثم ادعى انه عمله فقال رب المال لم يعلمه فالقول قول رب العمل‏.‏

وقال الشافعي في كتاب ‏(‏اختلاف بن ابي ليلى وابي حنيفة‏)‏ لو اختلفا في ثوب فقال له ربه امرتك ان تقطعه قميصا وقال الاخر بل قباء قال بن ابي ليلى القول قول الخياط لاجتماعهما على القطع وقال ابو حنيفة القول قول رب الثوب قال لانهما قد اجتمعا لانه قد امره بالقطع فلم يعمل له عمله كما لو استاجره على حمل شيء باجارة فقال لقد حملته لم يكن ذلك الا باقرار صاحبه قال الشافعي وهذا اشبه القولين وكلاهما مدخول قال المزني هو كما قال الشافعي لانه لا خلاف اعلمه بينهم انه ‏(‏من احدث حدثا فيما لا يملك فانه ماخوذ بحدثه وان الدعوى لا تنفعه‏)‏ والخياط مقر بان الثوب لربه وانه احدث حدثا وادعى واجازته عليه فان اقام بينة على دعواه والا حلف صاحبه وضمن ما احدثه في ثوبه قال ابو عمر المدعي متى اشكل امره من المدعى عليه فواجب الاعتبار فيه هل هو اخذ او دافع وهل يطلب استحقاق شيء على غيره او ينفيه فالطالب ابدا مدع والدافع المنكر مدعى عليه فقف على هذا الاصل تصب ان شاء الله وقد اختلف اصحاب مالك اذا قال رب الثوب للصانع اودعتك الثوب وقال الصانع بل اعطيتنيه للعمل فالقول قول الصانع مع يمينه عند بن القاسم قال سحنون وقال غيره الصانع مدع والقول قول رب الثوب كما لو قال لم ادفعه اليك ولكن سرق مني كان القول قوله قال ابو عمر الامر في هذا واضح بان القول قول رب الثوب في اجماعهم على انه لو قال رهنتني ثوبك هذا وقال ربه بل اودعتكه ان القول قول رب الثوب‏.‏

1436- قال مالك في الصباغ يدفع إليه الثوب فيخطئ به فيدفعه إلى رجل اخر حتى يلبسه الذي اعطاه اياه انه لا غرم على الذي لبسه ويغرم الغسال لصاحب الثوب وذلك اذا لبس الثوب الذي دفع إليه على غير معرفة بانه ليس له فان لبسه وهو يعرف انه ليس ثوبه فهو ضامن له قال ابو عمر خالفه اكثر الفقهاء في هذا منهم الشافعي والكوفي وقالوا رب الثوب مخير - ان شاء ضمن لابسه قيمة ما لبسه الا ان يكون اخلفه جدا فيضمن وان شاء ذلك للغسال الذي اخطا بالثوب فدفعه إلى غير صاحبه فان غرم الغسال رجع على لابس الثوب بقيمة ما نقصه اللباس او بقيمته ان اخلقه وان غرم اللابس لم يرجع بشيء على احد لانه انما اغرم قيمة ما استهلك كما لو اخذ خبزا او شيئا من الماكول لغيره فاعطاه لمن اكله ان صاحبه مخير ان شاء ضمن الاكل وان شاء ضمن الذي اخذ خبزه الا انهم اختلفوا ها هنا فقال بعضهم ان ضمن الاكل ورجع على المعطي لانه غره وكانه تطوع له بما اعطاه هذا اذا لم يعلم الاكل انه مال غيره فان علم ضمن ولم يرجع على احد ومنهم من قال يغرمه الذي اكله على كل حال لان الاموال تضمن بالخطا كما تضمن بالعمد وبالله التوفيق‏.‏

باب القضاء في الحمالة والحول

1437- قال مالك الامر عندنا في الرجل يحيل الرجل على الرجل بدين له عليه انه ان افلس الذي احيل عليه او مات فلم يدع وفاء فليس للمحتال على الذي احاله شيء وانه لا يرجع على صاحبه الاول قال مالك وهذا الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا قال مالك فاما الرجل يتحمل له الرجل بدين له على رجل اخر ثم يهلك المتحمل او يفلس فان الذي تحمل له يرجع على غريمه الاول قال ابو عمر عند مالك في باب الحوالة حديث مسند رواه عن ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏مطل الغني ظلم واذا اتبع احدكم على مليء فليتبع‏)‏ وهذا الحديث في رواية يحيى عن مالك في ‏(‏الموطا‏)‏ في باب جامع الدين والحول من كتاب البيوع وهو عند جماعة من رواة ‏(‏الموطا‏)‏ ها هنا والحوالة عند مالك واكثر العلماء خلاف الحمالة والذي عليه مالك واصحابه في الحوالة ما ذكره في ‏(‏الموطا‏)‏ الا انه لم يذكر ‏(‏اذا غره من فلس علمه فانه يرجع عليه كالحمالة‏)‏ وكذلك لو احاله على من لا دين له عليه فهي حمالة يرجع بها ان لحقه توا وقد ذكر هذا من الوجهين بن القاسم وغيره عن مالك قالوا عن مالك اذا حال غريمه عن غريم له فقد بريء المحيل ولا يرجع عليه المحال بافلاس ولا موت الا ان يغره من فلس علمه من غريمه الذي احال عليه فان كان ذلك رجع عليه وان لم يغره من فلس علمه اذا كان له دين وان غره او لم يكن عليه شيء فانه يرجع عليه اذا احاله قال وهذه حمالة‏.‏

وقال الشافعي يرجع المحيل بالحوالة ولا يرجع عليه بموت ولا افلاس وهو قول احمد وابي عبيد وابي ثور انه لا يرجع على المحيل بموت ولا افلاس وسواء غره او لم يغره من فلس عند الشافعي وغيره وقال ابو حنيفة واصحابه يبدا المحيل بالحوالة ولا يرجع عليه الا بعد التوي والتوي عند ابي حنيفة ان يموت المحال عليه مفلسا او يحلف ماله شيء ولم تكن للمحيل بينة وقال ابو يوسف ومحمد هذا توي وافلاس المحال عليه توي ايضا وقال شريح والشعبي والنخعي اذا افلس او مات رجع على المحيل وقال عثمان البتي الحوالة لا تبرئ المحيل الا ان يشترط براءته فان شرط البراءة بيد المحيل اذا احاله على مليء وان احاله على مفلس ولم يقل انه مفلس فانه يرجع عليه وان ابراه وان اعلمه انه مفلس وابراه لم يرجع على المحيل وروى بن المبارك عن الثوري اذا احاله على رجل فافلس فليس له ان يرجع على الاخر الا بمحضرهما وان مات وله ورثة ولم يترك شيئا رجع حضروا او لم يحضروا وروى المعافى عن الثوري اذا كفل لمدين رجل بمال وابراه بريء ولا يرجع الا ان يفلس الكبير او يموت فيرجع على صاحبه حينئذ وقال الليث في الحوالة لا يرجع اذا افلس المحال عليه وقال زفر والقاسم بن معن في الحوالة له ان ياخذ كل واحد منهما بمنزلة الكفالة وقال بن ابي ليلى يبرا صاحب الاصل بالحوالة قال ابو عمر هذا اختلافهم في الحوالة واما الكفالة والحمالة وهما لفظتان معناهما الضمان فاختلاف العلماء في الضمان على ما اورده بحول الله لا شريك له قال مالك واذا كان المطلوب مليا بالحق لم ياخذ الكفيل الذي كفل به عنه ولكنه ياخذ حقه من المطلوب فان نقص شيء من حقه اخذه من مال الحميل الا ان يكون الذي عليه الحق عليه ديون لغيره فيخاف صاحب الحق ان يخاصمه الغرماء او كان غائبا فله ان ياخذ الحميل ويدعه قال بن القاسم لقد كان يقول له ان ياخذ ايهما شاء ثم رجع إلى هذا القول وقال الليث اذا كفل المال وعرف مبلغه جاز عليه واخذ به وقال ان كفلت لك بحقك ولم اعرف الحق لم يجبر لانه مجهول‏.‏

وقال الشافعي وابو حنيفة واصحابهما والثوري والاوزاعي واحمد واسحاق اذا كفل عن رجل بمال فللطالب ان ياخذ من ايهما شاء من المطلوب ومن الكفيل وقال ابو ثور الكفالة والحوالة سواء ومن ضمن عن رجل مالا لزمه وبرئ المضمون عنه قال ولا يجوز ان يكون مالا واحدا عن اثنين وهو قول بن ابي ليلى قال ابو يوسف قال بن ابي ليلى ليس له ان ياخذ الذي عليه الاصل قال وان كان رجلان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه كان له ان ياخذ ايهما شاء قال ابو يوسف وقال بن شبرمة في الكفالة ان اشترط ان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فايهما اختار اخذه وبرئ الاخر الا ان يشترط اخذها ان شاء جميعا وروى شعيب بن صفوان عن بن شبرمة فيمن ضمن عن رجل مالا انه يبرأ المضمون عنه والمال على الكفيل وقال في رجلين اقرضا رجلا الف درهم على ان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فليس له ان ياخذ احدهما باصل المال وانما له ان ياخذ بما كفل له عن صاحبه وهذه خلاف رواية ابي يوسف قال ابو عمر هذه اقوالهم ومذاهبهم في الكفالة بالمال واما الكفالة بالنفس فهي جائزة عند مالك واصحابه الا في القصاص والحدود وهو قول الاوزاعي والليث وابي حنيفة واصحابه واما الشافعي فمرة ضعف الكفالة بالنفس على كل حال ومرة اجازها على المال‏.‏

وقال مالك اذا كفل بنفسه إلى اجل وعليه مال غرم المال ان لم يات به عند الاجل ويرجع به على المطلوب فان اشترط الضامن بالنفس انه لا يضمن المال كان ذلك له ولم يلزمه شيء من المال وقال ابو حنيفة واصحابه اذا كفل بالنفس ومات المطلوب بريء الكفيل ولم يلزمه شيء وقال عثمان البتي اذا كفل بنفس في قصاص او جراح فانه ان لم يجئ به لزمته الدية او ارش الجناية وهي له في مال الجاني ولا قصاص - علمت - على الكفيل قال ابو عمر اما الحوالة فالاصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اذا اتبع احدكم على مليء فليتبع وهذا هو الحالة بعينها بدليل رواية يونس بن عبيد عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏مطل الغني ظلم واذا احلت على مليء فاتبعه‏)‏ وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا احلت على مليء فاتبعه وقوله ‏(‏اذا اتبع احدكم على مليء فليتبع‏)‏ دليل على انه اذا احيل على غير مليء لم تصح الاحالة وفي ذلك ما يوضح لك ما ذهب إليه مالك - رحمه الله - ان المحيل اذا غر المحال من فلس المحال عليه فانه لا تلزمه الحوالة وله رجوعه بماله على المحال لانه لما شرط المليء في الحوالة دل ذلك على ان عدم ذلك يوجب غرم المال ولا حجة عندي للكوفيين فيما نزعوا به من هذا الحديث انه اذا افلس المحال عليه او مات كان له الرجوع لان زوال الملك يوجب الرجوع على المحال ولهم في ذلك حجج من جهة المقايسات لم ار لذكرها وجها وكذلك قالوا ان ظاهر الحديث يوجب جواز الحوالة على من لا دين عليه للمحيل لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين من عليه دين للمحيل وبين من لا دين عليه وهذا عندي ليس كما قالوا لان الحوالة معناها ابتياع ذمة بذمة ومن لا دين عليه ليس للمحيل عليه شيء الا انهم جعلوا التطوع بما في الذمة كالذمة التي تكون عن بدل والكلام في هذا تشغيب وفيه تعسف وشغب وبالله التوفيق وقال اهل الظاهر الحوالة على المليء لازمة رضي بها او لم يرض وليس بشيء لان ابتياع الذمم كابتياع الاعيان في سائر التجارات والتجارة لا تكون الا عن تراض واما الاصل في الضمان فقول الله عز وجل ‏(‏وانا به زعيم‏)‏ ‏[‏يوسف 72‏]‏‏.‏

أي كفيل وحميل وضامن ومن السنة حديث قبيصة بن المخارق قال تحملت حمالة فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسالته عنها فقال ‏(‏نخرجها عنك من ابل الصدقة يا قبيصة ان المسالة لا تحل الا في ثلاث رجل تحمل حمالة فحلت له المسالة حتى يردها ثم يمسك‏)‏ وذكر تمام الحديث وفي احلاله المسالة لمن تحمل حمالة عن قوم دليل على لزوم الحمالة للمتحمل ووجوبها عليه وقد استدل بهذا الحديث من قال ان المكفول له تجوز له مطالبة الكفيل كان المكفول عليه مليئا او معدما وزعم ان ذلك قول من قال ان المكفول ليس له مطالبة الكفيل اذا قدر على مطالبة المكفول عنه لان النبي صلى الله عليه وسلم اباح المسالة المحرمة بنفس الكفالة ولم يعتبر حال المحتمل عنه وفي هذا الحديث ايضا دليل على جواز الحمالة بالمال المجهول لان فيه ‏(‏تحملت حمالة‏)‏ ولم يذكر لها قدرا ولا مبلغا وممن اجاز الكفالة بالمجهول من المال مالك وابو حنيفة واصحابهما وقال بن ابي ليلى والشافعي لا تصح الكفالة بالمجهول لانها مخاطرة وفي هذا الباب ايضا حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر ان رجلا مات وعليه دين فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال ابو اليسر هو علي فصلى عليه النبي عليه السلام فجاءه من الغد يتقاضاه فقال انما كان ذلك امس ثم اتاه من بعد الغد فاعطاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏الان بردت عليه جلدته‏)‏ هكذا رواه شريك عن بن عقيل عن جابر وقد قال رواه زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر فقال فيه وقال ابو قتادة دينه علي يا رسول الله وجعل مكان ابي اليسر ابا قتادة وهذا الحديث يدل على ان المطلوب لا يبرا بكفالة الكفيل حتى يقع الاداء ويدل على ان للطالب ان ياخذ بماله ايهما شاء ويدل على ان من كفل عن انسان بغير امره لم يكن له ان يرجع عليه لانه لو كان له الرجوع لقام فيه مقام الطالب صاحب اصل الدين ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ولا كانت جلدته لتبرد والله اعلم واما حديث عبد الله بن ابي قتادة عن ابيه ان رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك عليه دينارين وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يصلي عليه حتى يؤدى عنه فتحمل بها ابو قتادة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي في حديث عبد الله بن ابي قتادة عن ابيه انه قال اتصلي عليه يا رسول الله ان قضيت عنه قال ‏(‏نعم‏)‏ فقضى عنه وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رواه بكير بن عبد الله بن الاشج عن ابي قتادة قال سمعت من اهلي من لا اتهم ان رجلا توفي فذكر الحديث واحاديث هذا الباب معلومة عند اهل العلم بالنقل كلها للاختلاف في اسانيدها والفاظها وتضعيفهم لبعض ناقليها واحسنها حديث الزهري وقد اختلف عليه فيه ايضا فرواه معمر عن الزهري عن ابي سلمة عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين فاتي بميت فقال ‏(‏اعليه دين‏)‏ قالوا نعم ديناران فقال ‏(‏صلوا على صاحبكم‏)‏ قال ابو قتادة الانصاري هما علي يا رسول الله فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏انا اولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته‏)‏ هكذا رواه عبد الرزاق عن معمر ورواه غيره عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه ضمان ابي قتادة وذكر سائر الحديث ورواه عقيل عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصرا لم يذكر فيه الا ‏(‏انا اولى بالمسلمين من انفسهم‏)‏ إلى اخره لا غير‏.‏

باب القضاء فيمن ابتاع ثوبا وبه عيب

1438- قال مالك اذا ابتاع الرجل ثوبا وبه عيب من خرق او غيره قد علمه البائع فشهد عليه بذلك او اقر به فاحدث فيه الذي ابتاعه حدثا من تقطيع ينقص ثمن الثوب ثم علم المبتاع بالعيب فهو رد على البائع وليس على الذي ابتاعه غرم في تقطيعه اياه قال وان ابتاع رجل ثوبا وبه عيب من حرق او عوار فزعم الذي باعه انه لم يعلم بذلك وقد قطع الثوب الذي ابتاعه او صبغه فالمبتاع بالخيار ان شاء ان يوضع عنه قدر ما نقص الحرق او العوار من ثمن الثوب ويمسك الثوب فعل وان شاء ان يغرم ما نقص التقطيع او الصبغ من ثمن الثوب ويرده فعل وهو في ذلك بالخيار فان كان المبتاع قد صبغ الثوب صبغا يزيد فيه ثمنه فالمبتاع بالخيار ان شاء ان يوضع عنه قدر ما نقص العيب من الثوب وان شاء ان يكون شريكا للذي باعه الثوب فعل وينظر كم ثمن الثوب وفيه الحرق او العوار فان كان ثمنه عشرة دراهم وثمن ما زاد فيه الصبغ خمسة دراهم كانا شريكين في الثوب لكل واحد منهما بقدر حصته فعلى حساب هذا يكون ما زاد الصبغ في ثمن الثوب هكذا هو في ‏(‏الموطا‏)‏ عند جميعهم وقوله قد علمه البائع هو الذي ذكره بن القاسم عنه اذا دلس البائع بالعيب قال بن القاسم عن مالك ‏(‏اذا دلس بالعيب وهو يعلم ثم احدث المشتري في الثوب صبغا ينقص الثوب او قطعه قميصا او ما اشبهه فان المشتري بالخيار ان شاء حبس الثوب ورجع على البائع بما بين الصحة والداء وان شاء رده ولا شيء عليه وان كان الصباغ يزيد فيه‏)‏ فذكر ما في ‏(‏الموطا‏)‏ على حسب ما اوردناه وقول احمد في ذلك كقول مالك وقال بن القاسم قال مالك ولو لبسه المشتري فانقصه لبسه فعليه ما نقصه لبسه ان اراد رده قال مالك والتدليس بالحيوان وغير التدليس سواء لان الحيوان لم يبعه اياه على ان يقطعه والثياب اشتراها لتقطع واذا اشترى حيوانا فاعور عنده ثم اطلع على عيب لم يكن له ان يرده الا ان يرد معه ما نقص اذا كان عورا او غيره من عيب مفسد دلس او لم يدلس وما كان من عيب ليس بمفسد فله ان يرده ولا يرد معه ما نقصه في الحيوان كله وقال الليث في الرجل يبتاع الثوب فيقطعه ثم يجد فيه العيب فان كان مثل الخرق والرفو حلف البائع بالله ما علم ذلك فيه واما ما كان من السقط فانه ان علم ان كان عند البائع فهو رد عليه ويغرم له البائع اجر الخياطة وقال الثوري اذا حدث به عيب عند المشتري واطلع على عيب لم يرده ورجع بقيمة العيب ليس له غير ذلك ورجع على البائع بفضل ما بين الصحة والداء وقول الشافعي في ذلك كقول الثوري قال الشافعي اذا حدث به عيب عند المشتري ثم اطلع على عيب رجع بقيمة العيب ليس له غير ذلك الا ان يشاء البائع ان يقبله ولا ياخذ شيئا وقال ابو حنيفة واصحابه اذا خاط الثوب قميصا او صبغه ثم اطلع على عيب رجع بقيمة العيب وليس للبائع ان يقبله وان قطعه قميصا ولم يخطه ثم اطلع على عيب رجع بالعيب الا ان يشاء البائع ان يقبله ويرد عليه ثمنه وكذلك اذا حدث به عيب عند المشتري وقال الحكم بن عتيبة يرده في حدوث العيب ويرد ما نقص العيب الحادث عنده وقال عثمان البتي في الثوب والخشب اذا قطعهما ثم وجد عيبا ردهما مقطوعين ولا شيء عليه في القطع قال ابو عمر القطع من المشتري في الثوب والصبغ الذي ينقصه بمنزلة العيب الحادث به ولا ينبغي له ان يرده وياخذ ثمنه الذي اعطاه فيه الا ان يكون الثوب بحاله كما اخذه واما اذا زاد الصبغ في الثوب فهو عين ما للمشتري ولذلك كان الجواب فيه كما قال مالك ومن اتبعه في ذلك واما من لم ير للمشتري اذا حدث عنده عيب ثم اطلع على عيب كان للبائع ان يرد ما وجد به العيب ولانه شيء الا ان يرجع بقيمة الذي كان عند البائع فلما وصفنا لان الثوب قد دخله ما غيره عن حاله التي باعها عليه البائع فليس للمشتري الا الرجوع بما دلس له به البائع وسواء علم او لم يعلم عندهم لان الخطا في ذهاب الاموال كالعمد وقول من قال يرد المبيع بالعيب فيرد معه قيمة ما حدث عنده من العيب فهو اعتبار ذلك المعنى لانه اذا رد قيمة ما حدث عنده من العيب فكانه رده بحاله لانه قد اخذ النقصان بالعيب الحادث عند المشتري حقه واما قول عثمان البتي فقول ضعيف وكانه لما قال لم يبن له العيب فقد سلطه على القطع فلا شيء له فيه وقد بين مالك الفرق عنده بين الثياب والحيوان فيما حكاه بن القاسم عنه والمخالف له يقول لا فرق بين الحيوان والثياب لان البائع كما اذن له في القطع واللبس كذلك اذن له في الوطء والتاديب وقد اجمع القائلون برد الثوب الموجود فيه العيب انه اذا لبسه لبسا يبليه به انه لا يرده الا ويرد معه ما نقصه اللبس والاكثر يقولون انه لا يرده وان له قيمة العيب‏.‏

باب ما لا يجوز من النحل

1439- مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن محمد بن النعمان بن بشير انهما حدثاه عن النعمان بن بشير انه قال ان اباه بشيرا اتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اكل ولدك نحلته مثل هذا‏)‏ فقال لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فارتجعه‏)‏ قال ابو عمر قال صاحب كتاب ‏(‏العين‏)‏ النحل والنحلة العطايا بلا استعاضة وقيل في قوله عز وجل ‏(‏واتوا النساء صدقاتهن نحلة‏)‏ ‏[‏النساء 4‏]‏‏.‏

أي هبة من مال اله تعالى لمن وفريضة عليكم وبهذا المعنى روى جماعة اصحاب بن شهاب هذا الحديث الا ان بعضهما قال فيه ‏(‏فارتجعه‏)‏ وبعضهم قال ‏(‏فاردده‏)‏ والمعنى عندهم فيه واحد وقد تابعه على هذا المعنى هشام بن عروة عن ابيه عن النعمان بن بشير على اختلاف في ذلك وقد روى هذا الحديث عن النعمان بن بشير جماعة منهم الشعبي بالفاظ مختلفة قد ذكرتها في ‏(‏التمهيد‏)‏ واثبتها هناك بالاسانيد قرات على عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني ابو قلابة قال حدثني عبد الصمد قال حدثني شعبة عن سعد بن ابراهيم عن عروة بن الزبير عن النعمان بن بشير ان اباه نحله نحلا فاتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال ‏(‏اكل بنيك اعطيت مثل هذا‏)‏ قال لا فابى ان يشهد وكذلك رواه ابو معاوية عن هشام بن عروة عن النعمان ورواه جرير عن هشام عن ابيه عن النعمان وقال فيه ‏(‏فاردده‏)‏ وقال فيه حصين عن الشعبي سمعت النعمان بن بشير على المنبر يقول اعطاني ابي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا ارضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت اني اعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فامرتني ان اشهدك يا رسول الله فقال ‏(‏اعطيت اولادك مثل سائر ولدك مثل هذا‏)‏ قال لا فقال ‏(‏ فاتقوا الله واعدلوا بين اولادكم‏)‏ قال فرجع فرد عطيته فلم يذكر في هذا الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امره برد العطية وانما فيه انه رجع فرد العطية اذ امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدل بين اولاده ورواه هشيم قال اخبرنا سيار ومغيرة وداود بن ابي هند ومجالد واسماعيل بن سالم عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال انحلني ابي نحلا - قال إسماعيل بن سالم من بين القوم نحله غلاما له - وذكر الحديث نحو رواية حصين عن الشعبي وفيه قال له ‏(‏الك ولد سواه‏)‏ قال قلت نعم قال ‏(‏اكلهم اعطيتهم مثل ما اعطيت النعمان‏)‏ قلت لا قال هشيم فقال بعض هؤلاء المحدثين هذا جور وقال بعضهم هذه تلحية فاشهد على هذا غيري وقال مغيرة في حديثه ‏(‏اليس يسرك ان يكونوا في البر واللطف سواء قال نعم قال فاشهد على هذا غيري‏)‏ وذكر مجالد في حديثه ‏(‏ان لهم عليك من الحق ان تعدل بينهم كما ان لك من الحق ان يبروك فهذه الالفاظ كلها تدل على جواز العطية على كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها من اجل ما خاف عليه من دخول العقوق عليه من بنيه وليس في هذه الالفاظ انه امره برد العطية واختلف اهل العلم في الرجل يعطي بعض ولده دون بعض فقال طاوس لا يجوز لاحد ان يفضل بعضه على بعض فان فعل لم ينفذ وفسخ وبه قال اهل الظاهر وروي مثله عن احمد وحجتهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فارتجعه‏)‏ وقوله ‏(‏فاردده‏)‏ من حديث مالك وغيره‏.‏

وقال مالك والليث والثوري والشافعي وابو حنيفة واصحابهم لا باس ان يفضل بعض ولده بالنحلة دون بعض ويؤثره بالعطية دون سائر ولده وهم مع ذلك يكرهون ذلك على ما نذكره ان شاء الله عنهم والتسوية في العطايا إلى البنين احب إلى جميعهم وكان مالك - رحمه الله - يقول انما معنى هذا الحديث الذي جاء فيه فيمن نحل بعض ولده ماله كله قال وقد نحل ابو بكر عائشة دون ولده قال ابو عمر ذكره في ‏(‏الموطا‏)‏ عن هشام عن بن شهاب عن عروة بن الزبير‏.‏

1440- عن عائشة انها قالت ان ابا بكر الصديق نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال والله يا ابنتي ما من الناس احد احب الي غنى بعدي منك ولا اعز علي فقرا بعدي منك واني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك وانما هو اليوم مال وارث وانما هما اخواك واختاك فاقتسموه على كتاب الله ‏(‏عز وجل قالت عائشة فقلت يا ابت ‏!‏ والله لو كان كذا وكذا لتركته انما هي اسماء فمن الاخرى قال ابو بكر ذو بطن بنت خارجة اراها جارية قال ابو عمر في حديث عائشة هذا ان من شرط صحة الهبة قبض الموهوب لها قبل موت الواهب قبل المرض الذي يكون منه موته وسنذكر ما للفقهاء في معنى قبض الهبة وحيازتها بعد في هذا الباب عند قول عمر ما بال رجال ينحلون ابناءهم نحلا ثم يمسكونها الحديث وفي هذا حديث عائشة هذا جواز الهبة المجهول عينها اذا علم مبلغها وجواز هبة المشاع ايضا وفيه ان الغنى احب إلى الفضلاء من الفقر واما اعطاء الرجل بعض ولده دون بعض وتفضيل بعضهم على بعض فقد ذكرنا ذلك قال الشافعي ترك التفضيل في عطية الابناء فيه حسن الادب ويجوز له ذلك في الحكم قال وله ان يرجع فيما وهب لابنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فارجعه‏)‏ قال ابو عمر روي عن جابر بن زيد ابي الشعثاء انه كان يقول في التفضيل بين الابناء في النحل يجوزه في الحكم ويقضي به وقال طاوس لا يجوز وان كان رغيفا محترقا وبه قال بعض اهل الظاهر واستدل الشافعي بان هذا الحديث على الندب بنحو ما ستدل به مالك من عطية ابي بكر عائشة دون سائر ولده وبما ذكرناه من رواية داود وغيره عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ايسرك ان يكونوا لك في البر كلهم سواء قال نعم قال ‏(‏فاشهد على هذا غيري‏)‏ قال وهذا يدل على صحة الهبة لانه لم يامره بردها وامره بتاكيدها باشهاد غيره عليها ولم يشهد هو عليها لتقصيره عن اولى الاشياء به وترك الافضل له وقال الثوري لا باس ان يخص الرجل بعض ولده بما شاء وقد روي عن الثوري انه كره ان القضاء ان يفضل الرجل بعض ولده على بعض في العطية وقال ابو حنيفة واصحابه من اعطى بعض ولده دون بعض كرهنا ذلك له وامضيناه عليه وقد كره عبد الله بن المبارك واحمد بن حنبل ان يفضل بعض ولده على بعض وكان إسحاق يقول مثل هذا ثم رجع إلى قول الشافعي وكل هؤلاء يقولون ان فعل هذا احد نفذ ولم يرد ولم يختلف في ذلك عن احمد واصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الخرقي في مختصره عنه قال فاذا فاضل بين ولده في العطية امر برده كما امر النبي صلى الله عليه وسلم فان مات ولم يردده فقد ثبت لمن وهب له اذا كان ذلك في صحته واما قوله في حديث مالك ‏(‏أكل ولدك نحلته مثل ذلك‏)‏ فان العلماء مجمعون على استحباب التسوية في العطية بين الابناء الا ما ذكرنا عن اهل الظاهر من ايجاب ذلك الا ان الفقهاء في استحبابهم للتسوية بين الابناء في العطية اختلفوا في كيفية التسوية بينهم في العطية فقال منهم قائلون التسوية بينهم ان يعطي الذكر مثل ما يعطي الانثى وممن قال ذلك سفيان الثوري وبن المبارك قال بن المبارك الا ترى ان الحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏سووا بين اولادكم فلو كنت مؤثرا احدا اثرت النساء على الرجال‏)‏ وبه قال داود واهل الظاهر وقال اخرون التسوية ان يعطى الرجل مثل حظ الانثيين قياسا على قسم الله تعالى الميراث بينهم وممن قال ذلك عطاء بن ابي رباح وهو قول محمد بن الحسن واليه ذهب احمد واسحاق ولا احفظ لمالك في هذه المسالة قولا واما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك في هذا الباب ‏(‏فارجعه‏)‏ ففيه دليل على ان للاب ان يرجع فيما وهب لابنه فقد اختلف العلماء ايضا في هذا المعنى فذهب مالك واكثر اهل المدينة إلى ان للاب ان يعتصر ما وهب لابنه ومعنى الاعتصار عندهم الرجوع في الهبة وليس ذلك عندهم لغير الاب الا ان الام عندهم اذا وهبت لابنها شيئا وهم ايتام لم ترجع في هبتها لانها في معنى الصدقة حينئذ وان لم يكونوا ايتاما وكان ابوهم حيا كان لها ان ترجع فيما وهبته لولدها هذا هو الاشهر عن مالك وقد روي عنه انها لا ترجع اصلا ولم يختلف عن مالك ان الجد لا يرجع فيما وهب لابن ابنه وكذلك لم يختلف قول مالك واصحابه ان الولد اذا وهب له ابوه هبة ثم استحدث الولد دينا داينه الناس عليه من اجل الهبة او نكح لم يكن للاب حينئذ الرجوع في شيء من هبته لولده وهذا كله في الهبة فاما الصدقة فانه لا رجوع فيها للاب ولا لغير اب بحال من الاحوال لان الصدقة انما يراد بها وجه الله تعالى وما اريد به وجه الله لم يجز الاعتصار والرجوع فيه وسنذكر ما لسائر العلماء من المذاهب في الرجوع في الهبة في باب الاعتصار في الهبة - ان شاء الله تعالى اولى المواضع بذلك وانما ذكرنا هنا قول مالك لما ارتبط به من معنى الحديث المسند واما قول ابي بكر في حديث عائشة هذا انما هما اخواك واختاك فقالت له عائشة انما هي اسماء فمن الاخرى فاجابها ابو بكر وقال ‏(‏ان ذا بطن بنت خارجة اراها جارية فهذا منه - رضي الله عنه - ظن لم نخطئه فكانت ذو بطن بنت خارجة جارية اتت بعده فسميت ام كلثوم واما بنت خارجة فهي زوجته واسمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن ابي زهير الذي اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين ابي بكر اذ قدم المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم واخى بين المهاجرين والانصار وكان قول ابي بكر ظنا كاليقين والعرب تقول ظن الحليم مهابة وتقول ايضا ‏(‏من لم ينتفع بظنه لم ينتفع بيقينه‏)‏ وتقول ايضا ‏(‏الظن مفتاح اليقين‏)‏ وقال اوس بن حجر‏:‏

الالمعي الذي يظن لك الظنن *** كان قد راى وقد سمعا

وروي ذلك عن عثمان وعلي - رضي الله عنهما - ومما يمدح به الظن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا يموتن احدكم الا وهو حسن الظن بالله عز وجل‏)‏ وقال صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله تعالى ‏(‏انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء‏)‏ وقال الحسن البصري في ان المؤمن احسن الظن فاحسن العمل قال ابو عمر واما ظن الفاسق والكافر والمنافق فمذموم غير ممدوح قال الله تعالى فيهم ‏(‏وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا‏)‏ ‏[‏الفتح 12‏]‏‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا‏)‏ قال الله تبارك وتعالى ‏(‏وان الظن لا يغنى من الحق شيئا‏)‏ ‏[‏النجم 28‏]‏‏.‏

فقد ذكرنا في كتاب النساء من كتاب الصحابة بنت خارجة المذكورة وابنتها بما يجب من ذكرهما هناك والحمد لله كثيرا‏.‏

1441- مالك عن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ان عمر بن الخطاب قال ما بال رجال ينحلون ابناءهم نحلا ثم يمسكونها فان مات بن احدهم قال مالي بيدي لم اعطه احدا وان مات هو قال هو لابني قد كنت اعطيته اياه من نحل نحلة فلم يجزها الذي نحلها حتى يكون ان مات لورثته فهي باطل قال ابو عمر صح القضاء من الخليفتين ابي بكر وعمر وروي ذلك عن عثمان وعلي ان الهبة لا تصح الا بان يحوزها الموهوب له في حياة الواهب وينفرد بها دونه وقد تقدمت رواية مالك عن ابي بكر في ذلك ورواه بن عيينة قال حدثنا الزهري عن عروة عن عائشة ان اباها نحلها جادا عشرين وسقا من ماله فلما حضرته الوفاة جلس فتشهد وحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد يا بنية فاني - والله - ان احب الناس الي غنى بعدي لانت وان اعز الناس علي فقرا بعدي لانت واني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا من مالي وددت انك حزتيه وحددتيه وانما هو اليوم من مال الوارث وانما هما اخواك واختاك قالت هذا اخواي فمن اختاي قال ذو بطن بنت خارجة فاني اظنها جارية قالت لو كان ما بين كذا وكذا لرددته قال ابو عمر اتفق مالك والثوري وابو حنيفة والشافعي واصحابهم ان الهبة لا تصح الا بالحيازة لها ومعنى الحيازة القبض بما يقبض به مثل تلك الهبة الا انهم اختلفوا في هبة المشاع وسنذكر ذلك بعد ان شاء الله تعالى والهبة عند مالك على ما اصفه لك تصح بالقول من الواهب والقبول من الموهوب له تتم بالقبض والحيازة وما دام الواهب حيا فللموهوب له المطالبة بها الواهب حتى يقبضها فان قبضها تمت له وصارت ملكا من ملكه وان لم يقبضها حتى يموت الواهب بطلت الهبة عنده لانهم انزلوها حين وهبها ولم يسلمها إلى ان مات منزلة من اراد اخراج تلك العطية بعد موته من راس ماله لوارث او غير وارث وكانت في يده طول حياته فلم يرض بها بعد مماته فلم يجز له شيء من ذلك هذا حكمه عند مالك واصحابه اذا مات الواهب فان مات الموهوب له قبله كان لورثته عنده ان يقوموا مقامه بالمطالبة لها حتى يسلم اليهم الواهب‏.‏

وقال الشافعي وابو حنيفة واصحابهم الهبة لا تصح الا بالقبض من الموهوب له وتسليم من الواهب فان لم يكن ذلك فهي باطل وليس الموهوب به ان يطالب الواهب بتسليمها لانها ما لم تقبض عده وعده بها فان وفي حمد وان لم يوف بما وعد ولم يوهب بما سلم لم يقض عليه بشيء وقال ابو ثور واحمد بن حنبل تصح الهبة والصدقة غير مقبوضة ورووا ذلك عن علي - رضي الله عنه - من وجه لا يحتج به قال ابو عبد الله المروزي - رحمه الله اتفق ابو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - ان الهبة لا تصح الا مقبوضة وقد روي عن احمد وهو الصحيح عنه ان الهبة اذا كانت مما يؤكل او يوزن لم يصح شيء منها الا بالقبض وما عدا المكيل والموزون فالهبة صحيحة جائزة بالقول وان لم تقبض وذلك كله اذا قبضها الموهوب له واختلفوا في هبة المشاع وكيف القبض فيها فقال مالك هبة المشاع جائزة ولا تصح الا بقبض الجميع وتصح للشريك في المشاع اذا تخل الواهب عنها واخذها من يده وانفرد الشريك الموهوب له بها‏.‏

وقال الشافعي وابو ثور واحمد واسحاق تصح الهبة في المشاع والقبض فيها كالقبض في البيع سواء وقال ابو حنيفة واصحابه الهبة للمشاع باطل ولا تصح الا مقبوضة معلومة مفردة كما يصح الرهن عندهم فيفرد المرتهن وكذلك الموهوب له ويقبضه ولا شركة فيه لغيره وقد بينا ذلك في كتاب الرهن‏.‏

باب ما يجوز من العطية

قال ابو عمر في هذا الباب عند جمهور رواة ‏(‏الموطا‏)‏ حديث مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عثمان في نحلة الرجل ابنه الصغير وهبته له وحيازته وهو عند يحيى في باب مفرد في اخر الاقضية وهناك نذكره كما رواه يحيى - ان شاء الله تعالى‏.‏

1442- قال مالك الامر عندنا فيمن اعطى احدا عطية لا يريد ثوابها فاشهد عليها فانها ثابتة للذي اعطيها الا ان يموت المعطي قبل ان يقبضها الذي اعطيها قال وان اراد المعطي امساكها بعد ان اشهد عليها فليس ذلك له وإذا قام عليه بها صاحبها اخذها قال مالك ومن اعطى عطية ثم نكل الذي اعطاها فجاء الذي اعطيها بشاهد يشهد له انه اعطاه ذلك عرضا كان او ذهبا او ورقا او حيوانا احلف الذي اعطى مع شهادة شاهده فان ابى الذي اعطي ان يحلف حلف المعطي وان ابى ان يحلف ايضا ادى إلى المعطى ما ادعى عليه اذ كان شاهد واحد فان لم يكن له شاهد فلا شيء له قال مالك ومن اعطى عطية لا يريد ثوابها ثم مات المعطى فورثته بمنزلته وان مات المعطي قبل ان يقبض المعطى عطيته فلا شيء له وذلك انه اعطي عطاء لم يقبضه فان اراد المعطي ان يمسكها وقد اشهد عليها حين اعطاها فليس ذلك له اذا قام صاحبها اخذها قال ابو عمر قد تقدم القول في هذا كله واوضحنا فيه مذهب مالك ومذهب غيره من الفقهاء في الباب قبل هذا والذي دعانا إلى ما ذكره هناك قول ابي بكر الصديق لعائشة فيه ‏(‏لو كنت حزتيه وجددتيه لكان لك وانما هو اليوم مال الوارث‏)‏ وقول عمر فيه ايضا ‏(‏ما بال رجال ينحلون ابناءهم نحلا ثم يمسكونها فان مات بن احدهم قال مالي بيدي الحديث‏)‏ وهذان الحديثان أصل حيازة الهبة في الموطأ وكذلك ذكرنا اختلاف العلماء في قبض الهبة وحيازتها في الباب قبل هذا وذكرنا عن الشافعي والكوفيين ان الهبة اذا لم يقبضها الموهوب له فليس له مطالبة الواهب بها ان منعه اياها وذكرنا ان اكثر العلماء على ذلك وبالله توفيقنا‏.‏

باب القضاء في الهبة

1443- مالك عن داود بن الحصين عن ابي غطفان بن طريف المري ان عمر بن الخطاب قال من وهب هبة لصلة رحم او على وجه صدقة فانه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى انه انما اراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها اذا لم يرض منها قال ابو عمر روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابيه ان عمر بن الخطاب قال من وهب هبة فلم يثب منها فهو احق بها وعن الاعمش عن ابراهيم ان عمر بن الخطاب قال من وهب هبة لم يثب منها فهو احق بها الا لذي رحم وعن ايوب عن بن سيرين عن شريح قال من اعطى في صلة رحم او قرابة او حق او معروف فعطيته جائزة والطالب المستعزز يثاب من هبته او ترد إليه‏.‏

1444- قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان الهبة اذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة او نقصان فان على الموهوب له ان يعطي صاحبها قيمتها يوم قبضها قال ابو عمر نذكر في هذا الباب اقاويل الفقهاء في الهبة للثواب وقد ارجات القول في الرجوع في الهبة لذي رحم وغيره إلى باب الاعتصار في الصدقة - ان شاء الله تعالى قال ابو عمر مذهب مالك في الهبة للثواب انها جائزة غير مردودة اذا قبضها الموهوب له كان للموهوب مطالبته بالثواب منها ذا رحم منه كان او غير رحم الا ان يكون فقيرا يرى انه اراد بها الصدقة عليه فلا ثواب عليه حينئذ والموهوب له مخير في ردها او اعطاء العوض منها هذا ما لم تتغير عنده بزيادة او نقصان فان تغيرت عنده بزيادة او نقصان كان للواهب قيمتها يوم قبضها الموهوب له وكان إسحاق بن راهويه يذهب في ذلك إلى قول مالك وروي عن عمر وعلي وفضالة بن عبيد جواز الهبة للثواب واما الشافعي فالهبة للثواب عنده باطل مردودة ليست بشيء وهو قول ابي ثور وداود لانها معاوضة على مجهول غير مذكور وذلك بيع لا يجوز واما ابو حنيفة واصحابه فالهبة للثواب عندهم جائزة على نحو ما ذهب إليه مالك في ذلك وان زادت عند الموهوب له او نقصت او هلكت لم يكن للواهب فيها رجوع ان كانت لذي رحم لانه حينئذ صلة خالصة له وهو قول الثوري وجملة قول الكوفيين في الهبة للثواب ان كل هبة وقعت على شرط عوض فهي والعوض منها على حكم الهبة لا تصح ما لم تقبض ويمنع كل واحد منها صاحبه ان شاء فان مضت وقبض العوض منها فهي كالبيع ويرد كل واحد منهما ما وجد فيه العيب من ذلك ان شاء وقال احمد بن حنبل ليس لاحد رجوع ولا ثواب في هبة ولا هدية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه‏)‏ وهو قول داود واهل الظاهر حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن عمر قال حدثني سفيان عن ايوب عن عكرمة عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ليس منا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه‏)‏‏.‏

باب الاعتصار في الصدقة

1445- قال مالك الامر عندنا الذي لا اختلاف فيه ان كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن او كان في حجر ابيه فاشهد له على صدقته فليس له ان يعتصر شيئا من ذلك لانه لا يرجع في شيء من الصدقة قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا او اعطاه عطاء ليس بصدقة ان له ان يعتصر ذلك ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به ويامنونه عليه من اجل ذلك العطاء الذي اعطاه ابوه فليس لابيه ان يعتصر من ذلك شيئا بعد ان تكون عليه الديون او يعطي الرجل ابنه او ابنته فتنكح المراة الرجل وانما تنكحه لغناه وللمال الذي اعطاه ابوه فيريد ان يعتصر ذلك الاب او يتزوج الرجل المراة قد نحلها ابوها النحل انما يتزوجها ويرفع في صداقها لغناها ومالها وما اعطاها ابوها ثم يقول الاب انا اعتصر ذلك فليس له ان يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا من ذلك اذا كان على ما وصفت لك قال ابو عمر قد قلنا ان الاعتصار عند اهل المدينة هو الرجوع في الهبة والعطية ولا اعلم خلافا بين العلماء ان الصدقة لا رجوع فيها للمتصدق بها وكل ما اريد به - من الهبات - وجه الله تعالى بانها تجري مجرى الصدقة في تحريم الرجوع فيها واما الهبات اذا لم يقل الواهب فيها لله ولا اراد بهبته الصدقة المخرجة لله ‏(‏عز وجل‏)‏ فان العلماء اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا فمذهب مالك فيما ذكره في كتابه ‏(‏الموطا‏)‏ على ما اوردناه من تخصيص ترك رجوع الاب في هبته لولده اذا نكحت الابنة او استدان الابن ونحو ذلك على ما تقدم وصفه واما الشافعي فليس لاحد عنده ان يرجع في هبته الا الوالد ثم وقف عن ذلك فقال لو اتصل حديث طاوس ‏(‏لا يحل لواهب ان يرجع في هبته الا الوالد‏)‏ لقلت به ولم ازد واهبا غيره وهب لمن يستثيب منه او لمن لا يستثيب منه قال ابو عمر قد وصل حديث طاوس حسين المعلم وهو ثقة ليس به باس اخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني مسدد قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن بن عمر وبن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏لا يحل لاحد ان يعطي عطية او يهب هبة ثم يرجع فيها الا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب ياكل فاذا شبع قاءه ثم عاد في قيئه‏)‏ قال ابو عمر اما قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه‏)‏ ولا خلاف بين اهل العلم في صحة اسناده ومن احسن اسانيده حديث شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن بن عباس واما قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا يحل لواهب ان يرجع في هبته الا الوالد‏)‏ فليس يتصل اسناده الا من حديث حسين المعلم كما وصفت لك وبه قال ابو ثور وقال ابو حنيفة واصحابه كل من وهب هبة لذي رحم محرمة كالاخ والاخت وبن الاخوة والاخوات وكذلك الاعمام والعمات والأخوال والخالات والاباء وان علوا والبنين وان سفلوا وكل من لا يحل له نكاحها او كانت امراة من جهة النسب والصهر وكذلك الزوجان ان وهب احدهما لصاحبه لم يكن للواهب منهم ان يرجع في هبته كما ليس للمتصدق ان يرجع في شيء من صدقته فان وهب لغير هؤلاء فله الرجوع في هبته ما لم تزد في بدنها او يزيد فيها الموهوب له وما لم يمت واحد منهما وما لم تخرج الهبة من ملك الموهوب له إلى ملك غيره وما لم يعوض الموهوب له الواهب عوضا يقبله ويقبض منه فاي هذه الاشياء كانت فلا رجوع في الهبة معه كما لا يرجع في الصدقة ولا فيما وهب لذي رحم محرمة منه ولا فيما وهب احد الزوجين لصاحبه واذا لم تكن هذه الاشياء والشروط التي ذكرنا والاوصاف التي وصفنا كان للواهب الرجوع في الهبة ولا يرجع عليه الا بحكم الحاكم له فيها او بتسليم من الموهوب له هذا كله قول ابي حنيفة واصحابه فيما ذكر الطحاوي عنهم في ‏(‏مختصره‏)‏ وحجتهم في ذلك الحديث عن عمر - رضي الله عنه - من رواية مالك وغيره عن داود بن الحصين عن ابي غطفان عن مروان عن عمر انه قال ‏(‏من وهب هبة لصلة رحم او على وجه الصدقة‏)‏ فسوى بين الهبة لذي الرحم وبين الصدقة وروى الاسود عن عمر مثله فيمن وهب لصلة رحم او قرابة وليس في حديث عمر ذكر الزوجين ولا فرق بين الرحم المحرمة ولا غير المحرمة كما فعل الكوفيون والاصل عندي الذي تلزم الحجة به انه لا يجوز لاحد الرجعة فيه لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه‏)‏ الا ان تثبت سنة تخص هذه الجملة او يتفق على معنى من ذلك علماء الامة وبالله التوفيق‏.‏

باب القضاء في العمرى

1446- مالك عن بن شهاب عن ابي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ايما رجل اعمر عمرى له ولعقبه فانها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي اعطاها ابدا‏)‏ لانه اعطى عطاء وقعت فيه المواريث‏.‏

1447- مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم انه سمع مكحولا الدمشقي يسال القاسم بن محمد عن العمري ما يقول الناس فيها فقال القاسم بن محمد ما ادركت الناس الا وهم على شروطهم في اموالهم وفيما اعطوا قال مالك وعلى ذلك الامر عندنا ان العمرى ترجع إلى الذي اعمرها اذا لم يقل هي لك ولعقبك قال ابو عمر هذه اللفظة لم يروها عن مالك احد في ‏(‏الموطا‏)‏ قوله ‏(‏ان العمرى ترجع إلى الذي اعمرها اذا لم يقل لك ولعقبك‏)‏ غير يحيى بن يحيى في ‏(‏الموطا‏)‏ وقد رمى بها بن وضاح من كتابه والمعروف عن مالك واصحابه في العمرى انها ترجع إلى المعطي اذا مات المعطى وكذلك اذا قال المعطي للمعطى هي لك ولعقبك ترجع ايضا إلى المعطي عند انقراض عقب المعطى اذا كان المعطي حيا والا قال من كان حيا من ورثته واولى الناس بميراثه ولا يملك المعمر بلفظ العمرى عند مالك واصحابه رقبة شيء من الاشياء وانما يملك بلفظ العمرى والسكنى والاعتمار والاعلال والاعمار عندهم والاسكان سواء لا يملك بذلك رقبة شيء من الاشياء وكذلك الافقار والاخبال والاطراق وما كان مثل ذلك من الفاظ العطايا لا يملك بشيء من ذلك كله رقبة الشيء المعطى وانما تملك به منفعته على حسب حاله هذا كله قول مالك واصحابه وهو تحصيل مذهبه‏.‏

1448- وكذلك ذكر في ‏(‏الموطا‏)‏ باثر الحديث المذكور في اول الباب عن نافع ان عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها قال وكانت حفصة قد اسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت فلما توفيت بنت زيد قبض عبد الله بن عمر المسكن وراى انه له قال ابو عمر لانه كان شقيق حفصة والمنفرد بميراثها فرجعت إليه الدار بعد موتها لان الاسكان لا يملك به الا المنفعة دون الرقبة وكذلك الاعمار عند مالك وحجته في ذلك قول القاسم بن محمد ما ادركت الناس الا على شروطهم في اموالهم وفيما اعطوا يريد ان لفظ العمرى ينفي ان يكون للمعمر من الشيء الذي اعمر الا منفعته وعمره لا غير ولم ياخذ مالك بحديثه المسند في هذا الباب عن بن شهاب عن ابي سلمة عن جابر وقال ليس عليه العمل الا ما ذكره عنه يحيى بن يحيى في ‏(‏الموطا‏)‏ وكان من اخر من روى عنه ‏(‏الموطا‏)‏ وروى عنه بعض اصحابه انه قال رايت محمدا وعبد الله ابني ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وسمعت عبد الله يعاتب محمدا ومحمد يومئذ قاض يقول له ما لك لا تقضي بالحديث الذي جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم في العمرى - يعني حديث بن شهاب عن ابي سلمة عن جابر فيقول له محمد يا اخي لم اجد الناس على هذا فجعل عبد الله يكلمه ومحمد ياباه قال ابو عمر لم ياخذ مالك بحديث العمرى ورده بالعمل عنده وقد اخذ به بن شهاب وغيره وروى معمر عن بن شهاب عن الزهري عن ابي سلمة عن جابر قال انما العمرى التي اجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ان يقول هي لك ولعقبك فاما اذا قال هي لك ما عشت فانها ترجع إلى صاحبها قال معمر وكان الزهري يفتي بذلك قال ابو عمر هذا قول ابي سلمة بن عبد الرحمن ويزيد بن قسيط وبه قال بن ابي ذئب والاوزاعي واليه ذهب ابو ثور وداود بن علي وقال الاوزاعي قلت للزهري الرجل يقول للرجل جاريتي هذه لك حياتك ايحل له ان يطاها قال لا قلت فقال هي لك عمري او عمرك فيحل له فرجها قال لا حتى يبينها له انما العمرى التي لا يكون فيها للمعمر شيء ان يقول هي لك ولعقبك يعطيها له ولعقبه لا يكون للمعطي فيها مثوبة وقال محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري حديث معمر هذا انما منتهاه إلى قوله هي لك ولعقبك وما بعده عندنا من كلام الزهري قال وما رواه ابو الزبير عن جابر يرد حديث معمر هذا قال ابو عمر حديث ابي الزبير رواه بن جريج والحجاج بن ابي عثمان وحماد بن سلمة وابراهيم بن طهمان عن ابي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ يا معشر الانصار امسكوا عليكم اموالكم ولا تعمروها فمن اعمر شيئا حياته فهو له حياته وموته‏)‏ وقد رواه بن جريج ايضا عن عطاء عن جابر اخبرنا ابو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت ابو بكر الصيدلاني ببغداد قال حدثني إسماعيل القاضي قال حدثني علي بن المديني قال حدثني سفيان قال حدثني بن جريج انه سمع عطاء يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا تعمروا ولا ترقبوا فمن اعمر شيئا او ارقبه فهو لورثته‏)‏ قال سفيان واخبرنا عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار قال قضى طارق بالمدينة بالعمرى للوارث عن قول جابر بن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها وقد ذكرنا الاثار بهذا المعنى في ‏(‏التمهيد قال ابو عمر من قال في العمرى بحديث ابي الزبير عن جابر وما كان مثله في العمرى جعل العمرى هبة مبتولة ملكا للذي اعمرها وابطل شرط ذكر العمر فيها وبهذا قال الشافعي وابو حنيفة واصحابهما وهو قول عبد الله بن شبرمة وسفيان الثوري والحسن بن صالح وبن عيينة واحمد بن حنبل وابي عبيد كل هؤلاء يقولون بالعمري هبة مبتولة يملك المعمر رقبتها ومنافعها واشترطوا فيها القبض كسائر الهبات فاذا قبضها المعمر ورثها عنه ورثته بعده كسائر ماله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ابطل شرط المعمر فيها وجعلها ملكا للمعمر موروثا عنه قالوا وسواء ذكر العقب في ذلك والسكوت عنه لانه لو اعمرها من اعقبها او من لا يكون له عقب كالمجبوب والعقيم فقال لك ولعقبك او قال ذلك لمن له عقب فماتوا قبله لم يكن لذكر العقب معنى يصح الا انها حينئذ تورث عندهم عنه وقد يرثه غير عقبه قالوا فذكر العقب لا معنى له في ذلك وانما المعنى الصحيح ما جاء به الاثر واضحا ان العمرى تورث عن المعطي لملكه لها بما جعلها رسول الله من ذلك له حياته وموته وهو قول جابر بن عبد الله وبن عمر وبن عباس ذكر معمر عن ايوب عن حبيبه بن ابي ثابت قال سمعت بن عمر وساله اعرابي اعطى ابنه ناقة له حياته فانتجت ابلا فقال بن عمر هي له حياته وموته قال افرايت ان تصدق بها عليه قال فذلك ابعد له قال ابو عمر هذا الحديث عن بن عمر يدل على ان مذهبه في العمرى بخلاف مذهبه في الاسكان والسكنى بدليل انه ورث من حفصة اخته دارا كانت اسكنتها بنت زيد بن الخطاب ما عاشت فلما ماتت بنت زيد بن الخطاب بعد موت حفصة ورث بن عمر الدار عن اخته حفصة لانها كانت على ملكها وكان عبد الله بن عمر وارثها لانه كان شقيقها وعلى هذا اكثر اهل العلم في الاعمار والعمرى اذا ذلك مخالف للاسكان والسكنى وقد كان الحسن وعطاء وقتادة يسوون بين العمرى والسكنى وقالوا من اسكن احدا داره لم ينصرف إليه ابدا وكان الشعبي يقول اذا قال هي لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته واذا قال داري هذه اسكنها حتى تموت فانها ترجع إلى صاحبها قال ابو عمر جعل هؤلاء السكنى كالعمرى هبة تملك بها الرقبة وجعل ملك العمرى كالسكنى لا تملك بها الا المنفعة دون الرقبة وذلك الذي عليه جمهور اهل العلم في السكنى والاسكان انه لا تملك به رقبة الشيء والخبر عن بن عباس في العمرى رواه الثوري وغيره عن ابي الزبير عن طاوس عن بن عباس قال لا تحل العمرى ولا الرقبى فمن اعمر شيئا فهو له ومن ارقب شيئا فهو له والخبر عن جابر رواه بن جريج عن ابي الزبير عن جابر وقد ذكرناه في ‏(‏التمهيد‏)‏ وهو قول طاوس ومجاهد وسليمان بن يسار وبه كان يقضي شريح وقد ذكرنا اخبار هذا الباب وطرقها والفاظها واختلافها في ‏(‏التمهيد‏)‏ والحمد لله كثيرا وروى بن عيينة عن ايوب السختياني عن بن سيرين قال خاصم رجل إلى شريح في العمرى فقضى له وقال لست انا قضيت لك ولكن محمدا قضى بذلك منذ اربعين سنة العمرى ميراث عن اهلها من ملك شيئا حياته فهو لورثته اذا مات فاما حديث بن شهاب في صدر هذا الباب فقد اوردنا فيه رواية مالك له بالفاظه ثم رواية معمر له بالفاظه ورواه بن ابي ذئب والاوزاعي ومحمد بن اخي الزهري والليث بن سعد على خلاف ذلك فاما رواية بن ابي ذئب فذكرها في موطئه عن بن شهاب عن ابي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى فيمن اعمر عمرى له ولعقبه فهي له قبله لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا مثوبة قال ابو سلمة لانه اعطى عطاء وقعت به المواريث فقطعت المواريث شرطه قال ابو عمر بين بن ابي ذئب موضع المسند المرفوع من هذا الحديث فجعل سائره من قول ابي سلمة فجوده وذلك بخلاف ما قال محمد بن يحيى اذ جعله من قول الزهري ورواه الليث عن بن شهاب باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من اعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن اعمرها ولعقبه‏)‏ ورواه الاوزاعي قال حدثني الزهري قالا حدثني ابو سلمة قال حدثني جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏العمرى لمن اعمرها هي له ولعقبه‏)‏ ورواية بن اخي الزهري نحو ذلك ومعاني رواة بن شهاب كلها متقاربة واما قوله في حديث مالك عن نافع عن بن عمر انه ورث حفصة بنت عمر دارها فاسقط حرف الجر وهي لغة للعرب قال ابو الحجناء‏:‏

اضحت جياد بن قعقاع مقسمة *** في الاقربين بلا من ولا ثمن

ورثتيهم فتسلوا عنك اذ ورثوا *** وما ورثتك غير الهم والحزن

اراد وما ورثت منك غير الهم والحزن وقالت زينب الطثرية‏:‏

مضى وورثناه دريس مفاضة *** وابيض هنديا طويلا حمائله

باب القضاء في اللقطة

1449- مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني انه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساله عن اللقطة فقال ‏(‏ اعرف عفاصها ‏(‏3‏)‏ ووكاءها ثم عرفها سنة فان جاء صاحبها والا فشانك بها‏)‏ قال فضالة الغنم يا رسول الله قال ‏(‏هي لك او لاخيك او للذئب‏)‏ قال فضالة الابل قال ‏(‏ما لك ولها معها سقاؤها ‏(‏1‏)‏ وحذاؤها ترد الماء وتاكل الشجر حتى يلقاها ربها‏)‏‏.‏

1450- مالك عن ايوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني ان اباه اخبره انه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكرها لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على ابواب المساجد واذكرها لكل من ياتي من الشام سنة فاذا مضت السنة فشانك بها قال ابو عمر روى هذا الحديث المسند في هذا الباب جماعة عن ربيعة كما رواه مالك ورواه يحيى بن سعيد الانصاري عن يزيد مولى المنبعث كما رواه ربيعة بمعنى واحد الا في شيء نذكره بعد ان شاء الله تعالى وهو حديث مسند صحيح فيه معان اجمع الفقهاء على القول بها ومعان اختلفوا فيها فما أجمعوا عليه ان عفاص اللقطة وهي الخرقة المربوط فيها الشيء الملتقط واصل العفاص في اللغة ما سد به فم القارورة وكل ما سد به فم اناء فهو عفاص الوكاء هو الخيط التي تربط به وهما جميعا من علامات اللقطة اذا جاء بوصفها صاحبها كان له عند اكثر اهل العلم بذلك اخذها وجاز للملتقط لها دفعها إليه واجمعوا ان اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا او شيئا لا بقاء له فانها تعرف حولا كاملاف واجمعوا ان صاحبها ان جاء وثبت انه صاحبها انه احق بها من ملتقطها وانه يضمن الملتقط قيمتها ان كان اكلها او استهلكها قبل الحول او بعده فان كان استهلاك الملتقط لها بعد الحول كان صاحبها مخيرا بين ان يضمن الملتقط قيمتها وبين ان يسلم له فعله فينزل على اجرها هذا كله لا خلاف بين اهل العلم فيه واجمعوا ان يد الملتقط لها لا تنطلق على التصرف فيها بوجه من الوجوه قبل الحول ان كانت مما يبقى مثلها حولا دون فساد يدخلها واجمعوا ان لاخذ ضاله الغنم في الموضع المخوف عليها اكلها واختلفوا في سائر ذلك على ما نذكره ان شاء الله تعالى فمنها اختلافهم في الافضل من اخذ اللقطة او تركها فروى بن وهب عن مالك انه سئل عن اللقطة يجدها الرجل اياخذها فقال اما الشيء الذي له بال فاني ارى ذلك قال وان كان لا يقوى على تعريفه فانه يجد من هو اقوى على ذلك منه ممن يثق به يعطيه فيعرفه فان كان شيء له بال فارى ان ياخذه وروى يحيى بن يحيى عن بن القاسم عن مالك انه كره اخذ اللقطة والابق جميعا قال فان اخذ احد شيئا من ذلك فابق او ضاعت اللقطة من غير فعله ولم يضيع لم يضمن وقول الليث في ذلك كله نحو قول مالك قال بن وهب سمعت مالكا والليث يقولان في ضالة الابل من وجدها في القرى اخذها وعرفها ومن وجدها في الصحاري فلا يقربها قال وقال الليث ولا احب لضالة الغنم ان يقربها احد الا ان يجوزها لصاحبها قال ابو عمر ليست اللقطة كالابق ولا كالضالة لان اللقطة لا مؤنة فيها وفي حفظها على صاحبها اجر لا مؤنة فيه ولا مؤذية وليست ضوال الحيوان كذلك لما فيه من المؤنة ولم يكلف الله عباده ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم واختلف بن القاسم واشهب في الذي ياخذ الضالة ثم يبدو له فيردها إلى مكانها فقال بن القاسم ان تباعد ثم ردها ضمن وقال اشهب لا يضمن وان تباعد‏.‏

وقال الشافعي يضمن على كل حال اذا ردها بعد اخذه لها وهو قول طاوس قال ابو عمر قد كره قوم اخذ اللقطة وراوا تركها في موضعها روي ذلك عن بن عمر وبن عباس وبه قال جابر بن زيد وعطاء واليه ذهب احمد بن حنبل فاما حديث بن عمر ففي هذا الباب في ‏(‏الموطا‏)‏ رواه‏.‏

1451- مالك عن نافع ان رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال له اني وجدت لقطة فماذا ترى فيها فقال له عبد الله بن عمر عرفها قال قد فعلت قال زد قال قد فعلت فقال عبد الله لا امرك ان تاكلها ولو شئت لم تاخذها وقد روي عن بن عمر انه كره اخذها وراى اخرون اخذها وتعريفها وكرهوا تركها منهم سعيد بن المسيب وبه قال الحسن بن حي والشافعي فقال لا احب لاحد ترك لقطة وجدها اذا كان امينا عليها قال وسواء قليل اللقطة وكثيرها وقال ابو حنيفة واصحابه من وجد لقطة او ضالة كان الافضل له اخذها وتعريفها والا يكون ذلك سببا لضياعها قال ابو عمر قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الغنم فقال ‏(‏هي لك او لاخيك او للذئب فرد على اخيك ضالته‏)‏ وقد روى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال وساله عن الشاة فقال ‏(‏خذها انما هي لك او لاخيك او للذئب‏)‏ وقد ذكرنا الاسناد بهذين الحديثين في ‏(‏التمهيد‏)‏ واذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يامر باخذ الشاة ويقول ‏(‏خذها ورد على اخيك ضالته‏)‏ ومعلوم ان اللقطة مثلها لان الشان فيهما انه لا يمتنع شيء منهما على من اراده بهلاك او فساد وفي امر النبي صلى الله عليه وسلم بتعريف الضالة الذي ساله عنها ولم يقل له لم اخذتها وامره ايضا صلى الله عليه وسلم باخذ الشاة ولم يقل في شيء من ذلك كما قال في الابل دعها حتى ياتي بها دليل على ان الافضل اخذها وتعريفها لان تركها عون على ضياعها ومن الحق ان يحفظ المسلم على المسلم ماله ويحوطه بما امكنه ومن قاس اللقطة على الابل فقال لا تؤخذ لم يصب القياس وقد اختلف العلماء في اللقطة والضالة فكان ابو عبيد القاسم بن سلام يفرق بين اللقطة والضالة وقال الضالة لا تكون الا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان قال ابو عبيد انما الضوال ما ضل بنفسه وكان يقول لا ينبغي لاحد ان يدع اللقطة ولا يجوز له اخذ الضالة ويحتج بحديث الجارود عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ضالة المؤمن حرق النار‏)‏ وبحديث جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏لا ياوي الضالة الا ضال‏)‏ وقال غيره من اهل العلم اللقطة والضالة سواء في المعنى والحكم فيهما سواء وممن ذهب إلى هذا ابو جعفر الحطاوي وانكر قول ابي عبيد الضالة ما ضل بنفسه وقال هذا غلط لانه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافك قوله للمسلمين ‏(‏ ان امكم ضلت قلادتها‏)‏ فاطلق ذلك على القلادة وقال في قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ضالة المؤمن حرق النار‏)‏ انما قال ذلك لانهم ارادوها للركوب والانتفاع لا للحفظ على صاحبها وذلك بين في رواية مطرف بن الشخير عن ابيه فذكره وذكر حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من اوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها‏)‏ وقد ذكرنا اسناد كل حديث منها في ‏(‏التمهيد‏)‏ قال ابو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم ‏(‏هي لك او لاخيك او للذئب‏)‏ وفي ضالة الابل مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها الحديث دليل واضح على ان العلة في ذلك خوف التلف والذهاب لا جنس الواهب فلا فرق بين ما ضل بنفسه وما لم يضل بنفسه ولا بين الحيوان وغيره لان المراد من ذلك كله حفظه على صاحبه وخوف ذهابه عنه وانما خص الابل لانها اذا تركها واحدها ولم يعرض لها وجدها صاحبها سالمة عند طلبه لها وبحثه عنها لان الذئب لا يخاف عليها في الاغلب من امرها وصبرها عن الماء فوق صبر غيرها من الحيوان والله اعلم بما اراد صلى الله عليه وسلم واختلف الفقهاء في التافه اليسير الملتقط هل يعرف حولا كاملا ام لا فقال مالك ان كان تافها يسيرا تصدق به قبل الحول وقال في مثل المخلاة والحبل والدلو واشباه ذلك ان كان في طريق وضعه في اقرب الاماكن إليه ليعرف وان كان في مدينة انتفع به وعرفه ولو تصدق به كان احب الي فان جاء صاحبه كان علي حقه وقد روى مالك وبن القاسم ان اللقطة تعرف سنة ولم يفرق بين قليلها وكثيرها وروى عيسى عن بن وهب انه قال ما قل عن ذلك عرفه اياما فان لم يجد صاحبه تصدق به وان كان غنيا وان كان محتاجا اكله‏.‏

وقال الشافعي يعرف القليل والكثير من ماله بقاء حولا كاملا ولا تنطلق يده على شيء منه قبل الحول بصدقة ولا غيرها فاذا عرفها حولا اكله او تصدق به فاذا جاءه صاحبه كان غريما في الموت والحياة قال وان كان طعاما لا يبقى فله ان يأكله ويغرمه لربه وقال المزني ومما وجد بخطه احب الي ان يبعه ويقيم على تعريفه حولا ثم ياكله قال المزني هذا اولى به لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للملتقط فشانك بها الا بعد السنة ولم يفرق بين القليل والكثير وقال ابو حنيفة واصحابه ما كان عشرة دراهم فصاعدا عرفه حولا كاملا وما كان دون ذلك عرفه على قدر ما يرى وقال الحسن بن حي كقولهم سواء الا انه قال ما كان دون عشرة دراهم عرفة ثلاثة ايام وقال الثوري في الذي يجد الدرهم يعرفه اربعة ايام رواه عنه ابو نعيم واتفق الفقهاء في الامصار مالك والثوري والاوزاعي وابو حنيفة والليث والشافعي واحمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور وداود ان يعرف اللقطة سنة كاملة له بعد تمام السنة ان ياكلها ان كان فقيرا او يتصدق بها فان جاء صاحبها وشاء ان يضمنه كان ذلك له وروي ذلك عن جماعة من السلف منهم عمر وبن عمر وبن عباس - رضي الله عنهم كلهم - قال ان تصدق بها وجاء صاحبها كان مخيرا بين الاجر ينزل عليهم او الضمان يضمن المتصدق بها ان شاء واختلفوا هل للغني ان ياكلها ويستنفقها بعد الحول ام لا فاستحب مالك للغني ان يتصدق بها او يحبسها وان اكلها ثم جاء صاحبها ضمنها قال بن وهب قلت لمالك ما قول عمر ‏(‏فان جاء صاحبها والا فشانك بها‏)‏ قال شانه يصنع بها ما شاء - ان شاء امسكها وان شاء تصدق بها وان شاء استنفقها قال فان جاء صاحبها اداها إليه وقال ابو حنيفة لا ياكلها الغني البتة بعد الحول ويتصدق بها على كل حال الا ان يكون ذا حاجة اليها وانما ياكلها الفقير فان جاء صاحبها كان مخيرا على الفقير الاكل وعلى الغني التصدق وممن روي عنه ان الملتقط يتصدق بها ولا ياكلها علي وبن عباس - رضي الله عنهما - وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي وعكرمة وطاوس والثوري والحسن بن حي وقال الاوزاعي ان كان مالا كثيرا جعلها في بيت المال‏.‏

وقال الشافعي ياكل اللقطة الغني والفقير بعد الحول وهو تحصيل مذهب مالك واصحابه وعليه يناط اصحابه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لواجدها شانك بها بعد السنة ولم يفرق بين الغني والفقير ولا ساله اغني انت ام فقير وفي حديث عياض بن حمار ‏(‏فإن جاء صاحبها فهو احق بها والا فهو مال الله يؤتيه من يشاء‏)‏ وهذا معناه عند الجميع انطلاق يد الملتقط عليها بعد الحول بما شاء من الاكل لها واستنفاقها او الصدقة بها ولكنه يضمنها ان جاء صاحبها باجماع المسلمين وممن روي عنه مثل قول مالك والشافعي ان الملتقط مخير بعد الحول في اكلها او الصدقة بها عمر وبن عمر وبن مسعود وعائشة - رضي الله عنهم وهو قول عطاء واحمد واسحاق ولم يفرقوا بين غني وفقير واختلفوا في دفع اللقطة إلى من جاء بالعلامة دون بينة فقال مالك يستحق بالعلامة قال بن القاسم ويجبر على دفعها إليه فان جاء مستحق فاستحقها ببينة لم يضمن الملتقط شيئا من ذلك قال مالك وكذلك اللصوص اذا وجد معهم امتعة فجاء قوم فادعوها وليست لهم بينة ان السلطان يتلوم لهم في ذلك فان لم يات غيرهم دفعها اليهم وكذلك الآبق وهو قول الليث بن سعد والحسن بن حي في اللقطة انها تدفع لمن جاء بالعلامة وحجة من قال قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏وعرف عفاصها ووكاءها وعدتها فان جاء صاحبها يعرفها فادفعها إليه‏)‏ وهذا نص في موضع الخلاف يوجب طرح ما خالفه وبه قال احمد بن حنبل ابو عبيد وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما لا يستحق الا ببينة ولا يجبر الملتقط لها ان يدفعها إلى من جاء بالعلامة ويسعه ان يدفعها إليه فيما بينه وبينه دون قضاء وذكر المزني عن الشافعي قال فاذا عرف صاحب اللقطة العفاص والوكاء والعدة والوزن وحلاها بحليتها ووقع في نفس الملتقط انه صادق كان له ان يعطيه اياها ولا اجبره لانه قد يصيب الصفة بان يسمع الملتقط يصفها قال ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏اعرف عفاصها ووكاءها معها - والله اعلم - لان يؤدي عفاصها ووكاءها معها وليعلم اذا وضعها في ماله انها لقطة وقد يكون استدل بذلك على صدق المعرف ارايت لو وصفها عشرة ايعطونها كلهم ونحن نعلم ان كلهم كاذب الا واحد بغير عينه يمكن ان يكون صادقا وقد قال ابو حنيفة ان كانت اللقطة دنانير او دراهم فسمى طالبها وزنها وعددها وعفاصها ووكاءها دفعها إليه ان شاء واخذه بها كفيلا قال ابو عمر ظاهر الحديث اولى مما قال هؤلاء لان النبي صلى الله عليه وسلم قال للملتقط ‏(‏اعرف عفاصها ووكاءها فان عرفها صاحبها فادفعها إليه‏)‏ هكذا قال حماد بن سلمة وغيره في الحديث وقد ذكرناه في ‏(‏التمهيد‏)‏ واختلفوا فيمن اخذ لقطة ولم يشهد على نفسه انه التقطها وانها عنده ليعرفها ثم هلكت عنده وهو لم يشهد فقال مالك والشافعي وابو يوسف ومحمد لا ضمان عليه اذا هلكت من غير تضييع منه وان كان لم يشهد وهو قول عبد الله بن شبرمة وقال ابو حنيفة وزفر ان اشهد حين اخذها انه ياخذها ليعرفها لم يضمنها ان هلكت وان لم يشهد ضمنها وحجتهما حديث مطرف بن الشخير عن عياض بن حمار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من التقط لقطة فليشهد ذا عدل او ذوي عدل وليعرف ولا يكتم ولا يغيب فان جاء صاحبها فهو احق بها والا فهو مال الله يؤتيه من يشاء‏)‏ رواه شعبة عن خالد الحذاء قال سمعت يزيد بن عبد الله بن الشخير يحدث عن اخيه مطرف عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابو عمر من حجة مالك والشافعي وابي يوسف ومحمد اجماع العلماء بان المغصوبات لو اشهد الغاصب على نفسه انه غصبها لم يدخلها اشهاده ذلك في حكم الامانات فكذلك ترك الاشهاد على الامانات لا يدخلها في حكم المضمونات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللقطة ‏(‏ان جاء صاحبها والا فلتكن وديعة عندك‏)‏ في حديث سليمان بن بلال وغيره على ما ذكرناه في ‏(‏التمهيد‏)‏ ولا خلاف ان الملتقط امين لا ضمان عليه الا بما تضمن به الامانات من التعدي والتضييع والاستهلاك ومعنى حديث عياض بن حمار عندي - والله اعلم - ان ملتقط اللقطة اذا لم يعرفها ولم يسلك بها سنتها من الاشادة والاعلان بها وغيب وكتم ثم قامت عليه البينة انه وجد لقطة وانه اخذها وضمها إلى بينه ثم ادعى تلفها فانه لا يصدق ويضمن لانه بفعله ذلك فيها خارج عن الامانة فيضمن الا ان يقيم البينة بتلفها واما اذا عرفها واعلن امرها وسلك فيها سنتها من الاشادة في الاسواق وابواب الجوامع وشبهها وان لم يشهد فلا ضمان عليه وبالله التوفيق فهذا ما في معنى الحديث في اللقطة واما حكم الضوال من الحيوان فان الفقهاء اختلفوا في ذلك من وجوه فقال مالك في ضالة الغنم ما قرب من القرى فلا ياكلها وضمنها إلى اقرب القرى لتعرف فيها قال ولا ياكلها واجدها ولا من تركت عنده حتى تمر بها سنة كاملة او اكثر كذا قال بن وهب عنه قال وان كان للشاة صوف او لبن ووجد من يشتري ذلك منه باعه ودفع ثمنه لصاحب الشاة ان جاء قال مالك ولا ارى باسا ان يصيب من نسلها ولبنها بنحو قيامه عليها قال وان كان تيسا فلا باس ان يتركه ينزو على غنمه ما لم يفسده ذلك هذا كله اذا وجد بقرب القرى من الغنم واما ما كان منها في الفلوات والمهامة فانه ياخذها وياكلها ولا يعرفها فان جاء صاحبها فليس له شيء لان النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏هي لك او لاخيك او للذئب‏)‏ قال والبقر بمنزلة الغنم اذا خيف عليها فان لم يخف عليها السباع فهي بمنزلة الابل وقال الاوزاعي في الشاة ان اكلها واجدها ضمنها لصاحبها‏.‏

وقال الشافعي ياخذ الشاة بالفلاة ويعرفها فان لم يجئ صاحبها اكلها ثم ضمنها ان جاء وهو قول ابي حنيفة واصحابه وسائر العلماء قال ابو عمر اتفق ابو حنيفة والشافعي واصحابهما وابو ثور واحمد واسحاق على ان الملتقط للشاة عليه ضمان ما اكل من لبنها وثمن صوفها وقيمة نزواته على ضانه لانه متطوع بقيامه عليها لا يستحق عليه شيء وقال الكوفيون الا ان يرفعها إلى السلطان فيعرض ذلك له وقال ابو جعفر الطحاوي لم يوافق مالك احدا من العلماء على قوله في الشاة ان اكلها واجدها لم يضمنها واجدها في الموضع المخوف واحتجاجه بقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏هي لك او لاخيك او للذئب‏)‏ لا معنى له لان قوله فهي لك ليس على معنى التمليك كما انه اذا قال ‏(‏او للذئب‏)‏ لم يرد به التمليك لان الذئب لا يملك وانما ياكلها على ملك صاحبها فينزل على اجر مصيبتها فكذلك الواجد ان اكلها على ملك صاحبها فان جاء ضمنها له قال ابو عمر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الشاة ‏(‏هي لك او لاخيك او للذئب فرد على اخيك ضالته‏)‏ دليل على ان الشاة على ملك صاحبها فان اكلها احد ضمنها وقد قال مالك من اضطر إلى طعام غيره فاكله فانه يضمنه والشاة الملتقطة اولى بذلك وقد اجمع العلماء ان صاحبها ان جاء قبل ان ياكلها الواجد لها اخذها منه وكذلك لو ذبحها اخذها منه مذبوحة وكذلك لو اكل بعضها اخذ ما وجد منها وفي اجماعهم على هذا اوضح الدلائل على ملك صاحبها لها بالفلوات وغيرها ولا فرق بين قوله صلى الله عليه وسلم في الشاة ‏(‏هي لك او لاخيك او للذئب‏)‏ وبين قوله في اللقطة لواجدها ‏(‏اذا عرفتها سنة ولم يات صاحبها فشانك بها‏)‏ بل هذا اشبه بالتمليك لانه لم يذكر معه في لفظ التمليك دينا ولا غيره وقد اجمع علماء المسلمين في اللقطة ان واجدها يغرمها اذا استهلكها بعد الحول ان جاء صاحبها طالبا لها فالشاة اولى بذلك قياسا ونظرا وقد شبه بعض المتاخرين من اصحابنا الشاة الموجودة بالفلاة بالركاز وهذه غفلة شديدة لان الركاز لم يصح عليه ملك لاحد قبل واجده والشاة ملك ربها لها صحيح مجتمع عليه فلا يزول ملكه عنها الا باجماع مثله او سنة لا اشكال فيها وهذا معدوم في هذه المسالة فوجب الضمان فيها وقد قال سحنون في المستخرجة ان اكل الشاة واجدها بالفلاة او تصدق بها ثم جاء صاحبها ضمنها له وهذا هو الصحيح وبالله التوفيق‏.‏